قوة الرياضة في تعزيز قيم التنوع والشمولية

    صاحبة السمو الملكي السفيرة ريما بنت بندر آل سعود

    في ظل الاختلافات والانقسامات التي تعصف بعالمنا، تأتي الرياضة كقوة قادرة على توحيد المجتمعات وجمع الناس تحت مظلة واحدة، متجاوزة بذلك حدود الدول، حيث تخلق احتفاءً مشتركًا بالمواهب الرياضية وروح العمل الجماعي والتضامن، بدءًا من الملاعب المحلية، وصولًا إلى الساحات الدولية، في تجسيدٍ باهر لقيم الوحدة، والتنوع، والشمولية، والتي تُعد جوهرًا للتحول والتقدم الذي يحدث في المملكة اليوم بصورته الواسعة، باعتبار الرياضة أحد محركاته الأساسية.

     

    بدأ ذلك مع انطلاق رؤية السعودية 2030؛ خطة التحول الشاملة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، وخارطة الطريق نحو مستقبل زاهر، والتي سارعت إلى انفتاح المملكة وترابطها مع العالم بشكل غير مسبوق، وجعلت الرياضة من أبرز عوامل هذا الترابط، فمن خلال استثماراتها الضخمة في مختلف الرياضات التي تتمتع بمستوى عالٍ من الاحترافية والشعبية، هي لا توسع من مشاركتها العالمية فحسب، بل تساهم أيضًا في تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزز من حيوية المجتمع وتحسّن من أنماط حياة المواطنين لتكون أكثر صحة.

     

    وينطبق ذلك خاصةً على نساء المملكة العربية السعودية؛ لأن نجاح المرأة وتقدمها في المجالات المختلفة يقع في صميم تحولنا الاقتصادي والاجتماعي والرياضي، فمنذ بدء رؤية السعودية 2030، زادت مشاركة المرأة في الرياضة بنسبة تزيد عن 150%، ومع وجود أكثر من 330 ألف رياضية مسجلة وآلاف المُدربات والمرشدات والحكَام وطبيبات الرياضة، تنافس النساء السعوديات اليوم في الساحات المحلية والإقليمية والدولية، وتحصدن الجوائز.

     

     

    بالنظر إلى وتيرة النمو والتقدم المتسارعة التي تشهدها المملكة منذ سنوات قليلة وحتى اليوم،  فإننا نشهد حدثًا تاريخيًا بكل المقاييس، حيث تتولّد معها فرصٌ رياضية غير محدودة للنساء السعوديات، فكل رياضة وكل منصة تتويج وكل ميدالية أصبحت في متناول اليد، ولم تعد حلمًا بعيدًا.


    التزمت المملكة منذ بدأ سمو ولي العهد -حفظه الله- رؤيته التحولية بتوفير بيئة ممكنة ومحفزة للمرأة في المجالات الرياضية، فأُدخلت الرياضة في المناهجٍ الدراسية للفتيات، وأُعيدت صياغة اللوائح لتمكين النساء من الحصول على تراخيص لتشغيل وامتلاك الأندية والصالات الرياضية، ووُجّهت جميع الاتحادات الرياضية بوجود تمثيل من السيدات في مجالس الإدارة لديها، ومُمثلات في وفودها الدولية، كما تم إنشاء فرق وطنية نسائية ووُضعت بها ضوابط تضمن تكافؤ الأجور بين الرجال والنساء، ووجود مرافق رياضية بذات الجودة للجنسين. وخلال العام الماضي، حصل المنتخب السعودي لكرة القدم للسيدات على تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) للمرة الأولى، ما يدل على الاهتمام المتزايد بكرة القدم النسائية في المملكة العربية السعودية.

     

    إنجازاتنا تتوالى، ومع كل إنجاز نتيقن أننا حققنا تقدمًا في تمكين المرأة السعودية في الرياضة، والأرقام تتحدث عن نفسها.

     

    لدينا اليوم أكثر من 500 مركز رياضي نسائي، و104 عضوةً في مجالس الإدارات، وسبع رئيسات اتحاد، و37 فريقًا وطنيًا للسيدات، و97 مدربة، و15,000 فتاة يستمتعن بلعبة التنس في المدارس لأول مرة، وأكثر من 70,000 فتاة يشاركن في منافسات كرة القدم في مدارسنا، لتصبح اليوم مشاركة الإناث في الرياضة -إجمالاً- أقل بنسبة 2% فقط من مشاركة الرجال. ففي عام 2020م، احتفلنا بأول رياضية بارالمبية في طوكيو، وهذا العام 2024م، نافست أول سبّاحة أولمبية سعودية على المسرح العالمي في باريس.

     

     

    لقد قطعنا شوطًا طويلًا في فترة وجيزة من الزمن، حققنا فيها تحولات واضحة وملموسة، وندرك أن هناك دائمًا تحديات وعقبات ستواجهنا في هذه المسيرة، إلا أننا ملتزمون بشدة بتحقيق رؤيتنا الطموحة؛ لتصبح المملكة العربية السعودية -بإذن الله- دولة رائدة في الرياضة على مستوى العالم، لأننا نتبنى ثقافة الصحة والشمولية والتميّز، وهي في صميم أهدافنا وخططنا التنموية.

     

    وإلى جانب هذه الأرقام، يبقى التأثير الإنساني هو بوصلة الحدث، فمع بروز أسماء وطنية من الرياضيين والأبطال، ازداد شغفنا بالرياضة بمختلف ميادينها، وعززت رؤية 2030 ذلك الشغف من خلال اهتمامها بتوفير فرص جديدة للمشاركة والاستمتاع بالبطولات العالمية، مثل: بطولة الفورمولا إي، والبطولة العالمية للمصارعين المحترفين، وجائزة الفورمولا 1 الكبرى، وكأس السوبر الإسباني.

     

    نشاهد اليوم انطلاق القدوات النسائية الملهمة في مختلف الساحات والمهن، ولدينا غاية واحدة نمضي نحوها..  أن نمنح الجميع فرصة اكتشاف شغفهم الرياضي وممارسته، لذا سنواصل مسيرة الاستثمار والتمكين الرياضي.

     

    تحظى المملكة بمستقبل رياضي حافل، بترشحها لاستضافة الكثير من البطولات والفعاليات الرياضية في السنوات القادمة، والتي ستشكل محطات مهمة في مسيرة التطور الرياضي للمملكة، وأحد هذه المحطات، بطولة كأس العالم للمنتخبات في كرة القدم لعام 2034م، ونتطلع فيها لإبراز التراث الرياضي الغني للمملكة، والبنية التحتية ذات المستوى العالمي، وحسن الضيافة.

     

    بالإضافة إلى ذلك، تتماشى الاستضافة مع جهودنا في رفع مستوى كرة القدم السعودية عالميًا، ويتجسد ذلك في رعاية المواهب الواعدة، وزيادة شعبية الرياضة ورفع قيمتها التجارية، ومن خلال التأسيس الرصين للاعبين الشباب، وبناء بيئة داعمة تحفز على المشاركة الواسعة في كرة القدم، وتركز جهودنا على بناء منتخب وطني قادر على تحقيق نتائج رائعة في البطولات الكبرى.

     

    اليوم.. أصبحت المملكة العربية السعودية وجهة رياضية رائدة وحاضنة لمختلف الرياضات، وينعكس ذلك على الارتقاء بصحة أفرادها، وتحقيق الشمولية وتعزيز الترابط مع المجتمع الدولي، وإبراز ثقافة المملكة وتراثها الغني في الميادين الرياضية.